حجم الخط + -
1 دقيقة للقراءة

بينما تتصدر لغة الرسوم الجمركية المشهد الاقتصادي العالمي، تتأرجح الأسواق وتتقلب العملات، وتعيد كبرى الاقتصادات الغربية والشرقية معاً رسم خرائط تحالفاتها ومواقفها.

وتهديدات الأخيرة بفرض جمركية مشددة على واردات الاتحاد الأوروبي فجّرت موجة اضطراب جديدة، أوقعت الأسهم في حالة من الذعر، ودفعت المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة.

ووسط هذا الاضطراب المتسارع، تتقدم دول مجلس التعاون الخليجي إلى الواجهة، لا بوصفها طرفاً في النزاع، بل كقوة مالية هادئة وصلبة تملك أدوات تأثير استثنائية. فبفضل فوائضها النفطية المستثمرة على مدى عقود في صناديق ثروة سيادية، باتت المنطقة تسيطر على ما يقرب من 38% من إجمالي الأصول السيادية العالمية، بقيمة تتجاوز 4.9 تريليون دولار. هذا الثقل لا يوفر فقط شبكة أمان داخلية، بل يحوّل دول الخليج إلى لاعب مؤثر في مشهد اقتصادي عالمي يموج بالتحولات.

تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على صادرات بقيمة تتجاوز 566 مليار دولار سنوياً، يأتي ليعمّق الشكوك حول استقرار النظام التجاري العالمي. فبعد أن لوّح سابقاً بفرض رسوم على أجهزة آيفون المُصنّعة خارج الولايات المتحدة، عاد ليستهدف هذه المرة شركاء واشنطن التقليديين في أوروبا.

هذا التوتر لم يكن تأثيره محصوراً على ضفّتي الأطلسي، بل امتد ليشعل اضطرابات في الأسواق العالمية، تراجعت على إثرها الأسهم الأوروبية وضعُف الدولار، في حين ظلّت أسواق الخليج بمنأى نسبياً عن هذا التقلّب، في مؤشر واضح على متانة موقعها المالي.

وبحسب أحدث إحصاءات “غلوبال إس دبليو إف”، تدير الصناديق السيادية الخليجية أصولاً بقيمة 4.9 تريليون دولار، تمثل أكثر من ثلث الثروة السيادية العالمية البالغة 13 تريليون دولار. ويُتوقع أن تتخطى حاجز 5 تريليونات دولار مطلع 2025، في طريقها إلى 7.3 تريليون دولار بحلول نهاية العقد.

زما يميّز الخليج في هذا السياق، ليس فقط حجم أصوله، بل طبيعة موقعه في النظام التجاري العالمي. فكما تشير مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، لا تمثل الولايات المتحدة سوى 3.7% من إجمالي صادرات دول الخليج، ما يحدّ من تعرّض المنطقة المباشر لأي تصعيد في الرسوم الأميركية. هذا يعفي الخليج إلى حد كبير من الصدمات التي قد تضرب اقتصادات آسيا وأوروبا، ويمنحه فرصة للمناورة بأمان نسبي.

في الوقت ذاته، تحتفظ دول الخليج بميزة استراتيجية هائلة، تتمثل في سيطرتها على 32.6% من احتياطيات النفط المؤكدة عالمياً. أي اضطراب تجاري عالمي قد يؤدي إلى ارتفاع في أسعار الطاقة، ما ينعكس إيجاباً على إيرادات المنطقة. ورغم الضغوط السياسية التي يواصل ترامب ممارستها على منظمة أوبك لخفض الأسعار، يبقى الخليج في موقع قوة.