سياسيون يعبدون “الطريق إلى كربلاء” بالدعاية الانتخابية

كور
تسليع المناسبات الدينية وتحويلها إلى أدوات انتخابية أصبح ظاهرة متكررة في المشهد السياسي العراقي، في ظل غياب قوانين فاعلة تُنظم الحملات الدعائية وتمنع استغلال الرموز والمناسبات الدينية. ومع استمرار التداخل بين الدين والسياسة، تصبح الحاجة أكثر إلحاحا لبناء وعي مجتمعي يحصّن الرأي العام من الخطاب الطائفي والمصلحي، ويطالب بإصلاح حقيقي قائم على الأداء لا على الاستعراض المناسباتي.
ويرى المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”كور”، إن “استغلال بعض السياسيين لزيارة الأربعين في الترويج الانتخابي يعكس إلى حد كبير ضعف النضج السياسي لدى الطبقة السياسية الحالية. فبدلًا من تقديم أنفسهم للناس من خلال مشاريع خدمية حقيقية وملموسة، يلجأ هؤلاء إلى المناسبات الدينية والمجتمعية للظهور وتحقيق مكاسب سياسية”.
ويضيف البيدر، أن “هذا السلوك لا يقتصر على جهة أو مكون بعينه، إذ تُسجل تحركات مشابهة لدى بعض القوى السنية، كما تلجأ بعض الأحزاب الكردية إلى استثمار المناسبات الدينية والاجتماعية في خطابها أو نشاطها السياسي”.
ويُلاحظ البيدر، أن “كثيرا من هؤلاء لا يلتزمون بتوجيهات المرجعيات الدينية، رغم وضوحها في دعواتها للفصل بين الدين والسياسة، بل إنهم تجاهلوا تصريحات ومواقف سابقة للعتبات الدينية بهذا الشأن”.
ويتابع أن “الأخطر من ذلك، أن بعض الخطابات التي تصدر عنهم تُسهم في تغذية الانقسام الطائفي والمذهبي، مستهدفة شرائح بسيطة من الناس، سواء من السذج أو أولئك الذين يعتمدون على هذه الأطراف سياسيا أو اقتصاديا”، مشيرا إلى أن “الخلل لا يقتصر على الطبقة السياسية فحسب، بل يمتد إلى ضعف وعي المواطن، ما يسهل على البعض تمرير هذا النوع من الخطاب دون مقاومة مجتمعية كافية”.
وتثير هذه الممارسات جدلا متكررا بين من يراها تعبيرا عن دعم شعبي مشروع، ومن يراها نوعا من التسييس الذي يفرغ المناسبة من جوهرها الديني والوجداني. وفي ظل غياب قوانين تنظم الظهور الإعلامي والسياسي خلال المناسبات الدينية، تبقى هذه الفجوة مفتوحة أمام استغلال سياسي محتمل، وهو ما يستدعي نقاشا جادا حول ضرورة الفصل بين الطقوس الدينية والعمل السياسي، لضمان نزاهة الفضاءين معا.
ويقول المحلل السياسي سعدون الساعدي، أن “زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام تمثل واحدة من أعظم التظاهرات الإنسانية في التاريخ، حيث يشهد العالم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا هذا الحدث الروحي الذي يجمع ملايين الزائرين من مختلف أنحاء العالم، ليشكل بذلك أكبر تجمع بشري سنوي”.
ورغم الطابع الديني والإنساني العميق للزيارة، يضيف الساعدي: “إلا أن بعض الأطراف السياسية، لا سيما بعض النواب، يعمدون إلى استغلال هذه المناسبة لأغراض انتخابية مبكرة، عبر ترويج أفكارهم وكسب التأييد الشعبي باسم الخدمة أو التفاعل الديني”.
ويشير إلى أن “الكتل السياسية الشيعية على وجه الخصوص تنشط في هذا السياق، مستندة إلى أن زيارة الأربعين ترتبط بشكل رئيسي بالمكون الشيعي، رغم بعدها العالمي والإنساني”.
ويتابع، أن “هذا التوظيف السياسي غالبا ما يتجلى في مظاهر البذخ وتقديم الخدمات للزائرين، في محاولة لبناء صورة جماهيرية قد تسهم في تعزيز الحضور الإعلامي والدعائي للمرشح، حتى قبل بدء الحملات الانتخابية الرسمية”.